«الحقائق الخيفه»
محمد حسن الاعظمى
بحث فى الشيعه
بقلم السكرتير العام لجماعه الاخوه الاسلاميه((1))على ضوء المعرفه يقوى الاتصال ويدوم الاخاء
قدم صديقى الدكتور الاستاذ الساداتى((2)) كتابه الفريد عن
نهضه ايران. وقد تناول فى حديثه عن ايران ثقافتها ودينها،
فكان لا بد له عند بيان المعتقدات من ايضاح مذهب الشيعه
الذى تدين به الاغلبيه فى ايران((3)).
ولكن الاستاذ، وله الشكر، احسن الظن بى وقلدنى شرف القيام
بتقديم عجاله فى مذهب الشيعه، ونحن فى هذا العصر احوج ما
نكون الى ان يعرف بعضنا آراء بعض، وعلى ضوء المعرفه يقوى
الاتصال ويدوم الاخاء. واحب ان يعرف قارىء هذا البحث اننى،
وان كنت قد نلت شرف الحصول على الشهاده العالميه من
الجامعه الازهريه فى مذهب الامام الاعظم ابى حنيفه النعمان،
فانى قبل قدومى الى مصر من بلاد الهند كنت شغوفا بالاطلاع
على جميع المذاهب الاسلاميه خاصه ودراسه الاديان الاخرى
عامه. وذلك لان للمناظرات الدينيه فى بلاد الهند سوقا رائجه
ولا تنقطع مواسمها طول العام، ولا بد للمناظر من معرفه
الحجج والالمام بما عند الاخرين. فاتاح لى ذلك اننى درست
اصول جميع الفرق الاسلاميه من سنيه وشيعيه، بما يتفرع
عنها من مذاهب ومقالات مختلفه، ومن بينها مذهب الشيعه
الاماميه او الاثنا عشريه التى نحن بصدد الحديث عنها. وما كان
شىء يحزننى ويهيج بلابل صدرى سوى هذه الفرق المتعدده
المتناحره فى الاسلام وكل منها ينتسب اليه ويستدل به على
معتقده، وكل منها ينطق بالشهادتين ويدين بالشعائر والاركان،
من صلاه، وزكاه، وصيام، وحج وما يتبع ذلك من معاملات،
وحدود، وآداب. ثم اراهم بعد ذلك يتبارون فى النضال ويحاول
كل فريق ان يفنى الفريق الاخر، فاذا لم يستطع السبيل الى
ذلك عمد الى التفسيق والتجريح ثم الى التشهير والتكفير. بل
رايت ان المسلمين يلقون من اخوانهم اضعاف ما يلقون من
اعدائهم من الاذى، والاضطهاد، والقتل بينما ارى الطوائف
الاخرى، وان تباينت فى كثير من اصولها، وتشعبت فى اكثر
فروعها، لا يمنعها ذلك من ضم صفوفها واتحاد كلمتها، فى
حين ان كثيرا منها يدين بعقائد التفريق والتمييز بين
الطبقات، كما هو معروف فى الديانه الهندوكيه، ورغم ذلك
فهم يتبادلون كل معونه فى ادراك خيرات الحياه والاستمتاع
بطيبات الوجود، من بذل وتضحيه وايثار، حتى ادركوا من
اسباب النجاح مبلغا يحسدون عليه فى التقدم ادبيا، وماديا،
وصناعيا، وتجاريا، وبالجمله علما وعملا، بينما ترى المعارك
الدمويه تفتك بالالوف من المسلمين فى بعض البلاد، تلبيه
لدعوه التفريق التى ينشرها الجهال بالحقائق وباخطار العواقب.
وفكرت فى اسباب هذا النضال وهذه الحرب التى لا يخمد
سعيرها فاذا بها لا شىء، فالكل يدين بالاسلام ويتوجه بقلبه الى
اللّه وبوجهه الى القبله. وهذه التى سموها فروقا ليست ترجع
فى الحقيقه الا لاحد امرين، اما لعوامل سياسيه قديمه تاثرت
بها الاجيال وتوارثها الاعقاب، واما لاراء فقهيه وهى قائمه حتى
اليوم وليس فيها ما يدعو الى اثاره حرب او سفك قطره من دم
زكى. فالحنفيه والشافعيه مثلا فى المعهد الواحد يتبادلون
التعلم والتعليم، وقد ترى المالكى تلميذا للحنبلى والحنفى
تلميذا للشافعى، دون ان يوثر الخلاف المذهبى فى صفاء
النفوس وارتباط القلوب.
اراجيف مختلفه وتمويهات كاذبه
واقوى ظاهره للخلاف ما نراه بين السنه والشيعه، فقد تباعدوا
وطال عليهم الامد فى هجر بعضهم لبعض وتوالت على ذلك
عصور ليست بالقليله، فكان فى الامر متسع للاراجيف
المختلفه، والتمويهات الكاذبه، والدعايات الفارغه الجوفاء. واخذ
كل منهم يعزو الى اخيه اقوالا ابعد فى التصور مما كان يشاع
فى الاساطير.
اليس من العجب ان يظن انسان بانسان ان له ذنبا كاذناب
البقر((4))! او ان يعتقد انسان فى انسان انه نجس العين، بينما
يحكم بطهاره اكثر الحيوانات من دوابها وانعامها وطيورها
وحيتانها! ثم هل يصدق انسان ان جماعه من المسلمين يعزى
اليهم القول بان جبريل الامين من رب العالمين يخطىء
الطريق، ويضل السبيل، ويجهل العنوان فيسلم الرساله الى
محمد(ص) بدل على((5))، والمصحف فى كل بلاد العالم
يقول: (نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من
المنذرين)((6)) ثم يقول: (محمد رسول اللّه)((7))! ولكن فقد
التواصل وانعدام التقارب من شانه ان يودى الى مثل هذا العبث
المنكر.
الاسلام دين التسامح والحريه
الاسلام اولا دين التسامح، ومنذ نشا الاسلام الى اليوم عرف
بتسامحه لا مع الفروع من شجرته والمذاهب من ملته فحسب،
بل مع الخارجين عنه والتابعين لغيره من الاديان. والاسلام
الذى يامر بحسن المعامله مع اهل الذمه، والعمل على تاليف
القلوب، وحسن المجامله مع المستامنين. الاسلام الذى كان
من اول يوم يصل اسباب المحبه والاخاء بين البشر لا يمكن ان
ياذن للمسلمين ان يحفر بعضهم خنادق لبعض لان هذا احب
فلانا وذاك مال الى فلان. واذا كان الاسلام هو واضع الحجر
الاول فى بناء حريه الفكر فجدير به فى هذا العصر ان يكون اول
من يرفع علم هذه الحريه، وقد اتسع صدره لالوف من الاراء
نشرها اصحابها فى مختلف ممالك العالم الاسلامى، ولم يكن
لها اثر سوى مقارعه الحجه بالحجه، ومناهضه الدليل بالدليل،
فجدير بالمسلمين ان يدركوا هذا التراث المجيد: تراث التسامح
والحريه، والعمل على جمع الكلمه بدلا من تمزيقها.ان
محمدا(ص) ادى رسالته للعالمين، واقام الحجه للّه على الخلق
اجمعين، فالاسلام يبدا منه ويتم به وتنتهى قواعده بما اوضحه
قبل انتقاله الى الرفيق الاعلى، وبهذا ينادى القرآن: (اليوم
اكملت لكم دينكم)((). وكان على ابناء المله واهل القبله ان
يعلموا ذلك من صريح هذا البيان الذى يقول لهم: (والمومنون
والمومنات بعضهم اولياء بعض)((9)) ولكن الذى يدمى الكبود
ويذيب نياط القلوب، انهم التووا عن هذه المحجه فوقعت
بينهم الخصومات الاليمه، وليس بعيدا منا ما يقع بين العلويين
والدروز والمسلمين الاخرين فى جبال الشام، او بين الشافعيه
والعلويه فى بلاد اندونيسيا، وبين الاكراد والشيعه فى العراق،
وانى اكتب هذه السطور واقرا بين يدى فى برقيات الصحف انباء
المقاتل والاعتداءات بين السنيين والشيعه من مسلمى الهند.
وقد انباتنا الصحف الهنديه من عهد قريب عن عشرات الالوف
منهم تحت التحقيق فى السجون، وقتل مئات منهم.
فليعلم المسلمون ان هنالك شجره طيبه اصلها ثابت وفرعها
فى السماء، تلك الشجره هى الاسلام وغارسها محمد عليه
الصلاه والسلام، وهم جميعا، مهما اختلفوا، فروع لهذه الشجره،
فاذا تفرقت الفروع صوحت بها العواصف حتى تسقط الازهار
والاوراق. فليس للدين الاسلامى غايه فى هذه الدنيا سوى
المحبه التى يدركون بها رضوان اللّه فى الدار الاجله.
انى لست انادى بالغاء الفرق فليس فى مقدور احد الان ان يفكر
فى محوها والغائها، ولكننا نقول: انه اذا كان فى الامكان الجمع
بين ابناء العروبه! افلا يمكن الجمع بين الفرق المختلفه من
المسلمين باسم الوحده الدينيه؟ اريد اذا ان يتحرر الناس من
قيود الاحقاد القديمه وان يحسنوا المعامله والمجامله والتعاون
فى ما بينهم وبين الديانات المختلفه فى اعمال تتعلق
بالمصلحه العامه، واقامه دعائم الاتحاد بينهم باسم الوطنيه.
وفى مقدور كل منهم بعد ذلك ان يبين لاخيه وجه الصواب ان
كان على خطا او الحق ان كان على الباطل، وضروره العقل
تحكم بانه اذا كان احد الاخوين على خطا وجب على اخيه ان
ينهض له بالنصح لا بالحراب. فعندما تصفو القلوب ويتوفر
حسن النيه يصبح التفاهم ميسورا، والنجاح مقدورا.
ومما يدعو الى الغبطه والارتياح ان نرى فى الازهر الشريف
جميع المذاهب السنيه فى صعيد واحد يتناولون العلوم على
مائده واحده، دون ان تقوم فى نفوسهم داعيه الحقد، او تدب
بينهم عقارب البغضاء. ومن الدلائل على تحرر الهيئات العلميه
الدينيه فى مصر انهم فى بعض فروع الاحكام الشرعيه((10))
عمدوا الى الاستفاده من المذاهب الاخرى فى تغيير اللوائح
والقوانين فى المحاكم الشرعيه لما راوا ان تطبيق نصوص
المذاهب المعمول بها يودى الى احراج حياه الاسره والتضييق
على المجتمع، بينما الدين يسر لا عسر فيه. فاى ميدان للحريه
ارحب من هذا الميدان، واى دليل على النهضه العلميه فى
الازهر اسطع من هذا الدليل؟.
واجب الاخوه الاسلاميه
ولذا كانت الاخوه الاسلاميه من اعظم الواجبات الدينيه بعد
عباده اللّه، وقد اقام على ذلك المسلمون واستمسكوا بعراه فى
عهد الرسول الكريم، ومضوا على ذلك فى ايام الخلفاء الراشدين.
ولما بدات الخصومه والاضطهاد بين بنى اميه واهل البيت
اشتد النكير للمسلمين، واهملوا المحافظه على شعائرهم،
وكيانهم، وعزتهم، وتبددوا فى الانحاء، وكثرت الخلافات
والدعايات وتفننوا فى التفسير والتغيير، واخذ بعضهم يرمى
بعضا بكل سهم يصيب الصميم.
واعوج الكثير عن الصراط المستقيم الا من رحم اللّه. وانتهى
الناس فى عصورهم الاخيره الى حاله تفتت افلاذ الصخور، فما
ترى فرقه من فرق الاسلام الا وهى مكفره لغيرها. وقد استغل
المبشرون وابالسه الالحاد هذه الثغور المفتحه امامهم فنفذوا
منها الى القلب ودخلوا على المسلمين فى حصونهم المنيعه،
فرموهم بمختلف الشظايا، وغمروهم بكل انواع الدعايات
المذهبيه.
وقد نظموا جيشهم على اساس اختلافنا، واقاموا جماعتهم على
انقاض وحدتنا، وبقينا حائرين نلتمس الخلاص ونطلب النجاه،
ولو نجونا من انفسنا لما خشينا من غيرنا. وقد رايت كما بينت
آنفا، ان سبب الخلاف ليس امرا ذا بال، خصوصا بين السنيه
والشيعيه. وكما قلت قبل الان اعيد القول: بانى لا استطيع
طمس معالم الفرق، ولكنى اريد ان يمد كل منها يده الى الاخر،
على اساس ان لكل مسلم، ثم لكل انسان بعد ذلك مذهبه ما
دام لا يضر الاخرين. بهذا امر الاسلام وبهذا تقضى ضروره
العصر، وبهذا تقوم الحياه فى الشرق، وبهذا ايضا يبتسم النصر
من جديد.
ولما كانت الاقاويل التى ينسب كثير منها الى الشيعه غير
صحيحه فقد اردت بهذه البيانات التاليه ان اجمل شيئا منها
لايضاح انها ليست بغريبه فى كثير منها عن الخلافات المذهبيه
العاديه، ولسبب آخر وهو ان يعرف اهل السنه شيئا عن احوال
اخوانهم المسلمين فى البلاد النائيه عنهم، حتى لا يستغرب
امر يحدث مما قد يعرض للانسان اذا راى ما يخالف مذهبه، وهو
لا يدرى مصدره وحقيقته.
مثالى على ذلك: اننا عند اداء فريضه الجمعه قد نلاحظ ان
بعض الفرق كالشيعه الاماميه والفاطميه لا يودونها. وللنظره
الاولى يتبادر الينا ان هذا التارك للجمعه مخالف لفريضه هى
من اعظم الفرائض واجلها، وبذلك نقع فى سوء الظن الذى هو
جرثومه الجرائم كلها، فاذا ما عرفنا السبب، وهو ان من شروط
صحه الجمعه عندهم قيام الامام المعصوم من اهل
البيت((11))، تبينا ان ترك الجمعه لم يكن عن عمد او تقصير،
وانما كان لشبهه مذهبيه قد يوجد مثلها عند غيرهم. ففى احد
القولين، مثلا، عند الحنفيه اشتراط المصر لصلاه الجمعه، وقد
يتركها الحنفى بناء على هذا الراى من مذهبه، فلا يعد مقصرا.
وامثال ذلك كثير، وله من الشواهد الف نظير.
جماعه الاخوه الاسلاميه
والسبب الاول والاخير فى تقديم هذا البيان هو اننا فكرنا مع
جماعه من اخوان مخلصين فى تاليف جماعه للاخوه
الاسلاميه((12)) من جميع البلاد الاسلاميه على اختلاف
مذاهبها ومشاربها. واشترطنا ان يكون افرادها من التابعين
لمذاهب لا تخالف نص الكتاب او صريح السنه واجماع الامه.
وقد وجدنا فى مصر ميدانا رحيبا وحقلا خصيبا، فان العدد من
النزلاء وفير فى هذه البلاد. وقد تسامعت اقطار المشرق
والمغرب بهذه الجماعه فاستجابوا لدعائها واصغوا الى ندائها.
واعضاوها الان يمثلون ستا واربعين امه((13)).
ومن مقاصد هذه الجماعه: تعارف المسلمين على اختلاف
بلادهم، وتذليل المسائل المذهبيه المختلف فيها بينهم،
وتجنب الخوض فيها. والدفاع عن عقائد الاسلام، والتقريب بين
مناهج التعليم الدينى والخلقى فى الاقطار الاسلاميه، والتعاون
الادبى والمادى بين الطلبه، والاتصال بعظماء المسلمين
للتشاور فى ما يتعلق بنهضه المسلمين. والقاء محاضرات
متنوعه، وارسال وفود الى البلاد الاسلاميه. وانشاء مسكن
للطلبه تسود فيه التربيه الاسلاميه، والسعى فى دخول الطلبه
الى معاهد مصر والمعاهد الاخرى، والدعوه الى موتمرات عامه،
وانشاء فروع للجماعه فى كل بلاد اسلاميه، واجابه كل من
يستفسر من الجماعه عما يتعلق بالاسلام والمسلمين فى
مختلف الاقطار، من دون تقييد بلغه خاصه، مع العلم بان لغه
التفاهم بين اعضاء الجماعه هى اللغه العربيه الفصيحه،
ومركزها قبه الغورى بمصر((14)).
وقد اصدرت الجماعه على لسان اعضائها محاضرات ومقالات
يعرفون بها اخوانهم بما عليه بلادهم المختلفه من احوال
وعادات حتى يتم التعارف وتنمو ثروه الثقافه وتشتد اواصر
الائتلاف.
وهذا الكتاب واحد من تلك الكتب التى يضعها احد
اعضائها((15))، مدفوعين الى ذلك بواجب الثقافه الاسلاميه
التى تعد الاخوه اعظم واجل واسمى ثمره فى روضتها
المباركه. وسيوالى رجال الجماعه اصدار مولفاتهم عن مختلف
الاقطار الاسلاميه وابطالها وزعمائها وستتكون البحوث
التاريخيه الادبيه الحافله ضمن موضوعاتها المتنوعه.
وقد اردت ههنا من جانبى ان القى شعاعا متواضعا على مذهب
الشيعه امام من لا يعرفونه، لان الانسان قد يجهل ذره، فيظنها
جبلا ضخما، (حتى اذا جاءه لم يجده شيئا)((16)). وما وقعت
الحروب والفتن الا نتيجه لعدم المعرفه بالحقائق، وتضخم
الخلافات البسيطه التى قد لا تعدو آراء يهون امرها، ويتيسر
الخلاص منها. فعسى ان نوفق بهذه الجهود الى تحقيق الالفه
التى ننشدها، وبهذا يتواصل المومنون، ولمثل هذا فليعمل
العاملون.
وقبل ان اتحدث عن اصول الشيعه احب ان يعلم القارىء انى لم
ارجع فى ذلك الا لمولفات المعاصرين منهم، كالعلامه الاكبر
محمد الحسين آل كاشف الغطاء النجفى، والعلامه السيد
محسن الامين الحسينى العاملى. وذلك اخذا للشىء من
مصدره، وللعلم من معدنه، ليكون اقوى فى البرهان، واسطع
فى البيان. وانا اعتقد ايضا انه قد وجد فى الشيعه من غلوا فى
بعض الاراء، ولكن لكل قاعده شواذ، وفى كل جماعه افراد
متطرفون.
وقد وجد فى اهل السنه من الفوا كتبا وخرجوا بها عن منصوص
قاعدتهم، وليسوا حجه على اهل السنه، ولا برهانا لخصومها.
فالذى نقدمه اليك ايها القارىء هو مجموعه من النصوص التى
تعرفنا بحقيقه واضحه، وتضع اصول التفاهم على اساس ثابت
متين.
مذهب الشيعه الاماميه
معنى لفظ الشيعه
الشيعه فى القاموس: (شيعه الرجل، بالكسر، اتباعه وانصاره،
والفرقه على حده. ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر
والمونث. وقد غلب هذا الاسم على من يتولى عليا واهل بيته،
حتى صار اسما لهم خاصا. والجمع كل اشياع وشيع
كعنب)((17)) الى آخره.
قال الشيخ ابو محمد الحسن بن موسى النوبختى، من اهل
القرن الرابع، فى كتاب (الفرق والمقالات)، المطبوع فى
استانبول، ما لفظه: (جميع اصول الفرق اربع فرق: الشيعه،
والمعتزله، والمرجئه، والخوارج. فالشيعه: هم فرقه على بن ابى
طالب المسمون بشيعه على فى زمان النبى(ص) وما بعده،
معروفون بانقطاعهم اليه والقول بامامته: منهم المقداد بن
الاسود، وسلمان الفارسى، وابو ذر جندب بن جناده الغفارى،
وعمار بن ياسر، ومن وافق مودته موده على. وهم اول من
سمى باسم التشيع من هذه الامه، لان اسم التشيع قديما
لشيعه ابراهيم، وموسى، وعيسى، والانبياء صلوات اللّه عليهم
اجمعين)((18)).
ثم بعد مقتل عثمان وقيام معاويه واتباعه فى وجه على بن ابى
طالب، واظهاره الطلب بدم عثمان، واستمالته عددا عظيما
من المسلمين الى ذلك، صار اتباعه يعرفون بالعثمانيه، وهم
من يوالون عثمان ويبراون من على. اما من يوالونهما فلا يطلق
عليهم اسم العثمانيه. وصار اتباع على يعرفون بالعلويه مع بقاء
اطلاق اسم الشيعه عليهم. واستمر ذلك مده ملك بنى اميه.
وفى دوله بنى العباس نسخ اسم العلويه والعثمانيه، وصار فى
المسلمين اسم الشيعه واهل السنه الى يومنا هذا. ولم يبق فى
فرق المسلمين من يبرا من على سوى الخوارج الذين يبراون
منه ومن عثمان معا. (عن اعيان الشيعه)((19)).
وقال العلامه محمد الحسين آل كاشف الغطاء فى كتابه (اصل
الشيعه، واصولها، صفحه 77): (ان اول من وضع بذره التشيع
فى حقل الاسلام هو نفس صاحب الشريعه الاسلاميه يعنى ان
بذره التشيع وضعت مع بذره الاسلام جنبا الى جنب، وسواء
بسواء. ولم يزل غارسها يتعاهدها بالسقى والعنايه، حتى نمت
وازهرت فى حياته، ثم اثمرت بعد وفاته، وشاهدى على ذلك
نفس احاديثه الشريفه، لا من طرق الشيعه ورواه الاماميه، بل
من نفس احاديث علماء السنه واعلامهم، ومن طرقهم الوثيقه
التى لا يظن ذو مسكه من عقل فيها الكذب والوضع، فمنها:
ما رواه السيوطى فى كتاب (الدر المنثور فى تفسير كتاب اللّه
بالماثور) فى تفسير قوله تعالى: (اولئك هم خير البريه)((20))
قال: (اخرج ابن عساكر عن جابر بن عبداللّه قال: كنا عند
النبى(ص) فاقبل (على)، فقال النبى(ص): والذى نفسى بيده
ان هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامه، ونزلت (ان الذين
آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البريه)((21)).
واخرج ابن مردويه عن على قال: (قال لى رسول اللّه(ص): الم
تسمع قول اللّه: (ان الذين آمنوا...) الخ، انت وشيعتك، وموعدى
وموعدكم الحوض اذا جاءت الامم للحساب تدعون غرا
محجلين..)((22)).
وروى بعض هذه الاحاديث ابن حجر فى (صواعقه) عن
الدارقطنى، وحدث ايضا عن ام سلمه: ان النبى(ص) قال: (يا
على انت واصحابك فى الجنه، انت وشيعتك فى الجنه). وفى
نهايه ابن الاثير ما نصه فى (قمح): (وفى حديث (على) قال له
النبى(ص): ستقدم على اللّه انت وشيعتك راضين مرضيين،
ويقدم عليه عدوك غضابا مقمحين، ثم جمع يده الى عنقه
يريهم كيف الاقماح..)((23)) الخ. والزمخشرى فى (ربيع
الابرار) يروى عن رسول اللّه(ص) انه قال: (يا على اذا كان يوم
القيامه اخذت بحجزه اللّه تعالى واخذت انت بحجزتى، واخذ
ولدك بحجزتك، واخذ شيعه ولدك بحجزهم، فترى اين يومر
بنا). ولو اراد المتتبع كتب الحديث، مثل مسند الامام احمدبن
حنبل، وخصائص النسائى وامثالهما ان يجمع اضعاف هذا القدر
لكان سهلا عليه.
قال العلامه كاشف الغطاء: (ولو كان مراد صاحب الشريعه من
(شيعه على) من يحبه او لا يبغضه بحيث ينطبق على اكثر
المسلمين كما تخيله بعض القاصرين، لم يستقم التعبير بلفظ
(شيعه) فان صرف محبه شخص لاخر او عدم بغضه لا يكفى فى
كونه شيعه له، بل لا بد هناك من خصوصيه زائده وهى الاقتداء
والمتابعه له، بل ومع الالتزام بالمتابعه ايضا، وهذا يعرفه كل من
له ادنى ذوق فى مجارى استعمال الالفاظ العربيه. واذا استعمل
فى غيره فهو مجاز مدلول عليه بقرينه حال او مقال. والقصارى
انى لا احسب ان المنصف يستطيع ان ينكر ظهور تلك
الاحاديث وامثالها فى اراده جماعه خاصه من المسلمين، ولهم
نسبه خاصه بعلى يمتازون بها عن سائر المسلمين الذين لم
يكن فيهم فى ذلك اليوم من لا يحب عليا، فضلا عن وجود من
يبغضه.
ثم ان صاحب الشريعه لم يزل يتعاهد تلك البذره ويسقيها بالماء
النمير العذب من كلماته واشاراته فى احاديث مشهوره عند
ائمه الحديث من علماء السنه، فضلا عن الشيعه، واكثرها مروى
فى الصحيحين، مثل قوله(ص): (على منى بمنزله هارون من
موسى)((24))، ومثل: (لا يحبك الا مومن ولا يبغضك الا
منافق)، وحديث الطائر: (اللهم ائتنى باحب خلقك اليك)،
ومثل: (لاعطين الرايه غدا رجلا يحب اللّه ورسوله، ويحبه اللّه
ورسوله)((25))، ومثل: (انى تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه
وعترتى اهل بيتى)((26))، (وعلى مع الحق والحق مع
على)((27)). الى كثير من امثالها مما لسنا فى صدد احصائه
واثبات اسانيده.
(ثم لما ارتحل الرسول من هذه الدار الى دار القرار، وراى جمع
من الصحابه ان لا تكون الخلافه لعلى اما لصغر سنه، او لان
قريشا كرهت ان تجتمع النبوه والخلافه لبنى هاشم زعما منهم
ان النبوه والخلافه اليهم يضعونها حيث شاءوا، ولامور اخرى،
لسنا بصدد البحث عنها، ولكنه باتفاق الفريقين امتنع اولا عن
البيعه، بل فى صحيح البخارى، فى باب غزوه خيبر، انه لم
يبايع الا بعد سته اشهر، وتبعه على ذلك جماعه من عيون
الصحابه كالزبير وعمار والمقداد وآخرين.
ثم لما راى ان تخلفه يوجب فتقا فى الاسلام لا يرتق، وكسرا لا
يجبر، وكل احد يعلم ان عليا ما كان يطلب الخلافه رغبه فى
الامره، ولا حرصا على الملك والغلبه والاثره، وحديثه مع ابن
عباس بذى قار مشهور، وانما يريد تقويه الاسلام وتوسيع
نطاقه، ومد رواقه، واقامه الحق واماته الباطل، وحين راى ان
المتخلفين، اعنى: الخليفه الاول والثانى بذلا اقصى الجهد فى
نشر كلمه التوحيد وتجهيز الجنود وتوسيع الفتوح، ولم
يستاثروا ولم يستبدوا بايع وسالم، واغضى عما يراه حقا له،
محافظه على الاسلام ان تصدع وحدته، وتتفرق كلمته، ويعود
الناس الى جاهليتهم الاولى. وبقى شيعته منضوين تحت
جناحه ومستنيرين بمصباحه. ولم يكن للشيعه والتشيع يومئذ
مجال للظهور، لان الاسلام كان يجرى على مناهجه القويمه،
حتى اذا تميز الحق من الباطل، وتبين الرشد من الغى، وامتنع
معاويه عن البيعه لعلى، وحاربه فى (صفين) انضم بقيه
الصحابه الى على، حتى قتل اكثرهم تحت رايته. وكان معه من
عظماء اصحاب النبى(ص) ثمانون رجلا، كلهم بدرى عقبى
كعمار بن ياسر، وخزيمه ذى الشهادتين، وابى ايوب الانصارى
ونظرائهم)((28)).
فرق الشيعه
الشيعه الاماميه فرق، منهم الاثنا عشريه، والكيسانيه (وقد
انقرضت) والزيديه والاسماعيليه، والافطحيه (وقد انقرضت)
والواقفه (وقد انقرضت ايضا) والناوسيه (وقد انقرضت). ولكن
الاثنى عشريه هم الاكثر عددا، وكل الفرق الموجوده تقيم
شعائر الاسلام ولا تخالف فى شىء من ضروريات الدين
الاسلامى.
اما الرافضه فهذا اللقب يراد به التشفى والانتقام، يطلقه اهل
السنه على الشيعه، وبالعكس. ويعنى به كل فريق ان الاخر
رفض الحق واباه.
واحسن ما نقل فى هذا الباب عن الامام الشافعى رضى اللّه عنه.
حيث يقول:
ان كان رفضا حب آل محمد فليشهد الثقلان انى رافضى
ويوجد كتب الملل والنحل من تاليف غير الشيعه، وفيما ذكره
المقريزى فى خططه عند ذكر الفرق واختلاف عاداتها، اسماء
لمسميات ادرجوها فى فرق الشيعه، لم نسمع بها من غيرهم.
وبالغوا فى تكثير فرقها حتى قال بعضهم ان الثلاثه والسبعين
فرقه اكثرها من الشيعه. وكانهم لما نقص عليهم العدد اضطروا
الى اختراع فرق لا وجود لها، ووضعوا لها اسماء من عندهم،
كالمقريزى الذى زعم ان فرقها بلغت الثلثمائه، ولم يستطع ان
يعد منها غير عشرين فرقه، زعم انها المشهور، على ان جمله
من هذه العشرين مختلق مخترع((29)).
انتشار الشيعه
ظهر التشيع لعلى بن ابى طالب عند حدوث الاختلاف فى امر
الخلافه يوم وفاه النبى(ص)، فقالت الانصار للمهاجرين: منا
امير ومنكم امير. واحتج عليهم المهاجرون بانهم عشيرته
وقومه. وقال (على) لما بلغه ذلك ما معناه: ان يكن ما قاله
المهاجرون حقا فالحجه لنا دونهم، والا فالانصار على حجتهم.
وتشيع يومئذ لعلى جميع بنى هاشم وبنى المطلب وانضم
اليهم الزبير بن العوام وثلاثه عشر رجلا او اثنا عشر من
المهاجرين والانصار، فارادوا عليا للخلافه.
وكان من بنى اميه قوم يقولون بذلك، منهم خالد بن سعيد بن
العاص. وكان عمر بن عبد العزيز من بين ملوك بنى اميه
-سوى ما يحكى عن معاويه الاصغر- متظاهرا بالميل الى
العلويين، فرفع السب عن امير المومنين ورد فدكا الى اولاد
فاطمه. وقال الشريف الرضى حين مر بقبره فى دير سمعان:
يابن عبد العزيز لو بكت العي
-ن فتى من اميه لبكيتك
انت نزهتنا عن السب والشت
-م،فلو امكن الجزاء جزيتك((30))
(وما زال عدد الشيعه يزداد حينا فحينا الى اواخر الدوله الامويه
فظهرت شيعه بنى هاشم من العلويين والعباسيين. وفى دوله
العباسيين كثرت شيعه العلويين كثره مفرطه فى الحجاز
واليمن والعراق، سيما الكوفه والبصره، وفى مصر وخراسان
وسائر بلاد ايران، لا سيما (قم) وغير ذلك من البلدان واكثرهم
فى الكوفه وخراسان).
وما زال التشيع يفشو ويقل، ويظهر ويخفى، ويوجد ويعدم فى
بلاد الاسلام على التناوب وغيره بحسب تعاقب الدول الغاشمه
وغيرها وتشددها وتساهلها حتى اصبح عدد الشيعه اليوم فى
انحاء المعمور يناهز الخمسه والسبعين مليونا((31)) اى باكثر
من خمس المسلمين بثلاثه ملايين، (اعتقد ان المسلمين الان
يزيد عددهم على خمسمئه مليون ولكن اعداء الاسلام يحاولون
انقاص عددهم ولو كذبتهم سجلات التعداد، (المولف). منها
نحو اثنين وثلاثين مليونا فى الهند ونحو خمسه عشر مليونا فى
مملكه ايران، ونحو عشره ملايين فى روسيا وتركستان، ونحو
خمسه ملايين فى اليمن، ونحو مليونين فى العراق، ونحو
مليون ونصف فى بخارى والافغان ونحو مليون فى سوريا ومصر
والحجاز، ونحو سبعه ملايين فى الصين والتبت والصومال
وجاوا، ونحو مليون فى الالبانيا وتركيا.
ومرادنا بشيعه الهند وسوريا خصوص الاماميه غير الاسماعيليه،
وبشيعه اليمن ما يعم الزيديه والاماميه الاثنى عشريه، وبشيعه
الالبان غير البكتاشيه، وكان بعض افاضل جبل عامل عدهم فى
مجله المقتبس تسعين مليونا مريدا بهم ما يعم الاثنى عشريه
والزيديه والاسماعيليه والبكتاشيه وغيرهم)((32)).
خلاصه عقيده الشيعه الاثنى عشريه
(الشيعه الاماميه الاثنا عشريه يشهدون ان لا اله الا اللّه، وانه
واحد احد فرد صمد لم يلد ولم يولد، وانه ليس كمثله شىء،
وان محمدا رسول اللّه(ص) جاء بالحق من عنده وصدق
المرسلين، ويوجبون معرفه ذلك بالدليل والبرهان ولا يكتفون
بالتقليد، ويومنون بجميع انبياء اللّه ورسله، وبجميع ما جاء به
من عند ربه.
ويقولون ان عليا وولده الاحد عشر احق بالخلافه من كل احد،
وانهم افضل الخلق بعد رسول اللّه(ص)، وان فاطمه الزهراء
سيده نساء العالمين. فان كانوا مصيبين فذلك، والا لم يوجب
قولهم هذا كفرا ولا فسقا، لا سيما ان امامه شخص بعينه ليست
من اصول الاسلام بالاتفاق من الشيعه وغيرهم، اما غيرهم
فواضح، لانهم لا يوجبون امامه شخص بعينه، وانما يوجبون
اصل الامامه ويحصرونها فى قريش. واما الشيعه فانهم وان
اوجبوا امامه الائمه الاثنا عشر، لكن منكر ائمتهم عندهم ليس
بخارج عن الاسلام، وتجرى عليه جميع احكامه.
ويقولون بوجوب اخذ احكام الدين من كتاب اللّه بعد معرفه
ناسخه من منسوخه، وعامه من خاصه ومطلقه من مقيده
ومحكمه من متشابهه، وما ثبت من سنه رسوله(ص) بالتواتر او
روايه الثقات، ومذاهب الائمه الاثنا عشر، او اقوال المجتهدين
الثقاه الاحياء، وهذا على فرض خطئهم فيه لا يوجب الخروج
عن الاسلام.
ويقولون بعصمه الائمه الاثنا عشر، وبحياه المهدى وانه موجود
بين الخلق، كحياه الخضر وادريس وعيسى3 وابليس
الدجال. وسواء اخطاوا فى ذلك ام اصابوا فهو لا يوجب كفرا ولا
خروجا عن الاسلام.
ويقولون: ان كل من شك فى وجود البارى تعالى او وحدانيته او
فى نبوه النبى(ص) او جعل له شريكا فى النبوه فهو خارج عن
دين الاسلام، وكل من غالى فى احد من الناس من اهل البيت
او غيرهم، واخرجه عن درجه العبوديه للّه تعالى، او اثبت له نبوه
او مشاركه فيها او شيئا من صفات الالهيه فهو خارج عن ربقه
الاسلام، ويبراون من جميع الغلاه والمفوضه وامثالهم.
وعمده ما ينقمه غير الشيعه عليهم دعوى القدح فى السلف او
احد ممن يطلق عليه اسم الصحابى. والشيعه يقولون ان احترام
اصحاب نبينا من احترام نبينا فنحن نحترمهم جميعا
لاحترامه، وذلك لا يمنعنا من القول بتفاوت درجاتهم، وان
عليا احق بالخلافه من جميعهم. وانتم تقولون: ان بعضهم، وان
شهر السيف فى وجه البعض، وقتل بعضهم بعضا، وسب بعضهم
بعضا، وبغى بعضهم على بعض فكلهم مجتهدون معذورون،
والقاتل والمقتول، والظالم والمظلوم، والباغى والمبغى عليه
كلهم فى الجنه، وللمصيب منهم اجران وللمخطىء اجر واحد،
ونحن نقول امرهم الى ربهم العالم بسرهم وجهرهم، وعلينا ان
نحترمهم احتراما لنبينا(ص). وليسعنا من العذر فى قولنا
بتفاوت درجاتهم، وتقديمنا عليا عليهم فى استحقاق الخلافه
ما وسعهم من العذر فى شهر بعضهم السيف فى وجوه بعض،
وقتل بعضهم بعضا وسب بعضهم بعضا، وبغى بعضهم على
بعض.
واذا ساغ لهم الاجتهاد فى ذلك ساغ لنا. فاحكام اللّه فى الناس
واحده، وشرائعه عادله ورحمته واسعه تسع الجميع، ولا تسع
قوما وتضيق عن آخرين، فان اصبنا فيما قلنا فلنا اجران، وان
اخطانا فلنا اجر واحد، والمخطىء والمصيب منا ومنكم فى
الجنه. ولا يسوغ فى قانون العدل واحكام العقل ان يفتح اللّه باب
الاجتهاد للسلف على مصراعيه، يستحلون به سفك الدماء،
وقتل النفوس ونهب الاموال، ويكونون بذلك ماجورين ويغلقه
فى وجوه غيرهم، فلا يفتح لهم منه ولو مثل سم الخياط. ان
هذا مناف لعدله وشمول فضله، وانه ليس لاحد عنده هواده.
فبان انه لا مساغ لتضليل الشيعه واخراجهم عن ربقه الاسلام
من هذه الجهه، وهى اهم ما فى الباب اذا تمسكنا بذيل التقليد
للاباء والاجداد، وعرفنا الاقوال بالرجال، وهذا مما نهانا عنه اللّه
ورسوله وعقولنا.
وتعتقد الشيعه بالبعث والحساب والجنه والنار والصراط
والميزان وكل ما اخبر به الصادق الامين(ص).
اما فروع الدين وواجباته ومحرماته التى هى من الضروريات،
فكلنا فيها شرع سواء وكلنا نومن بكتاب واحد، لا ياتيه الباطل
من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، ونصلى
مستقبلين الكعبه ونقول بوجوب خمس صلوات باعداد
ركعاتها، والظهر تقوم مقامها الجمعه اذا صليت صحيحه جامعه
للشرائط، والعصر والمغرب والعشاء والصبح، وبوجوب الوضوء
لها، والغسل من الجنابه والحيض، ويقوم مقامهما التيمم عند
عدم وجدان الماء، وبوجوب الحج الى بيت اللّه الحرام، من
استطاع اليه سبيلا، وبوجوب الزكاه بشروطها المقرره،
وبوجوب صوم شهر رمضان، ومن كان مريضا او على سفر فعده
من ايام اخر، الى غير ذلك من الواجبات والمحرمات الثابته
بضروره الدين.
وتقول الشيعه بوجوب الزكاه فى الانعام الثلاث: الابل والبقر
والغنم، وفى النقدين: الذهب والفضه، وفى الغلات الاربع:
الحنطه والشعير والتمر والزبيب، كل ذلك بشروطها المذكوره
فى محلها، وبوجوب الجهاد لحفظ بيضه الاسلام، وبوجوب
الامر بالمعروف والنهى عن المنكر والبر بالوالدين، وصله
الارحام، واداء الامانه، وبحرمه الزنا، واللواط، وشرب الخمر،
والغيبه، والنميمه، وقذف المحصنات، ونكاح المحارم، وتزوج
ما زاد عن اربع نسوه، وشهاده الزور، واكل المال بالباطل، وايذاء
الناس، وتعطيل الحدود، واكل الميته والدم ولحم الخنزير،
وعقوق الوالدين، وقطيعه الرحم، واكل مال اليتيم، والغش
والخيانه والكذب والظلم واخذ الربا، والتقول على اللّه بغير علم،
والتنابز بالالقاب، وغير ذلك من الواجبات والمحرمات التى
تثبت فى دين الاسلام. فبماذا تضللوننا ايها الاخوان، وتعادوننا
وتنابزوننا بالالقاب. الم تسمعوا قوله(ص): من كفر مسلما فقد
باء به احدهما.
فهل انكرنا الخالق او جعلنا له شريكا؟ او عبدنا غير اللّه او
وصفناه بغير ما يجب ان يوصف به؟ او انكرنا رسول اللّه(ص) او
عصمته او انكرنا شيئا من ضروريات الدين الثابته عند جميع
المسلمين؟ اليس الهنا والهكم واحد! وكتابنا واحد!
وقبلتنا واحده! وصلاتنا وحجنا الى كعبه واحده! وصومنا فى
شهر واحد! وصلاتنا واحده! وواجباتنا واحده! ومحرماتنا واحده!
واذا جاز لكم ان تجتهدوا فى صحه المسح على الخفين، وهو
غير مذكور فى القرآن، جاز لنا ان نجتهد فى صحه المسح على
الرجلين مع اعتقادنا انه مذكور فى القرآن. فهل تعبدون اللّه
ونحن نعبد الاصنام؟ وهل نبيكم محمد ونبينا شعيب؟
وكتابكم القرآن وكتابنا التوراه؟ وصلواتكم خمس وصلواتنا
ست؟ وقبلتكم الكعبه وقبلتنا بيت المقدس؟ وحجكم الى مكه
وحجنا الى عكا؟ وصلاه الظهر والعصر والعشاء عندكم اربع
ركعات وعندنا خمس او ثلاث؟ وصلاه المغرب عندكم ثلاث
وعندنا اربع او اثنتان؟ وصلاه الصبح عندكم اثنتان وعندنا
واحده او ثلاث؟ وهل صومكم فى شهر رمضان وصومنا فى
شعبان؟ كلا واللّه لسنا كذلك، ولكننا داخلون فى قوله تعالى:
(انما المومنون اخوه) وقوله(ص): (المومن اخو المومن.
المومن للمومن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا).
نساله تعالى ان يلهم المسلمين ما فيه الائتلاف والاتحاد، لا
سيما فى هذه الاعصار العصيبه عليهم وهو ولى
التوفيق((33)).
وفى البخارى عن ابى ذر رضى اللّه عنه، قال: اتيت النبى(ص)
وعليه ثوب ابيض وهو نائم، ثم اتيته وقد استيقظ، فقال: ما من
عبد قال: لا اله الا اللّه ثم مات على ذلك الا دخل الجنه. قلت:
وان زنى وان سرق؟ قال: وان زنى وان سرق، قلت: وان زنى وان
سرق؟ قال: وان زنى وان سرق، قلت: وان زنى وان سرق؟ قال:
وان زنى وان سرق على رغم انف ابى ذر((34)).
اتفق المسلمون قديما وحديثا على عدم جواز تكفير احد من
اهل الشهادتين، وتضافرت على ذلك اقوال الائمه والعلماء جيلا
بعد جيل، فقد ذكر الشعرانى فى (اليواقيت والجواهر) فى
المبحث 58 اقوالا كثيره ملخصها ان القول بالتكفير امر شنيع
لا يليق الا بمن اتخذ غير الاسلام دينا((35)).
وقد نقل عن شيخ الاسلام تقى الدين السبكى ان الاقدام على
تكفير المومنين عسر جدا، وان كل من خاف اللّه استعظم القول
لمن يقول لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه. ثم اورد الشعرانى
جواب السبكى بكلام طويل، جاء فى آخره: فما بقى الحكم
بالتكفير الا لمن اختار الكفر دينا وجحد الشهادتين وخرج عن
دين الاسلام جمله.
وقال الشيخ الاكبر ابن العربى فى باب الوصايا من فتوحاته:
اياكم ومعاداه اهل لا اله الا اللّه، فان لهم الولايه العامه، فهم
اولياء اللّه، ولو اخطاوا، وجاءوا بقراب الارض من الخطايا، وهم لا
يشركون باللّه شيئا، فان اللّه يتلقى جميعهم بمثلها مغفره، ومن
ثبتت ولايته حرمت محاربته، واطال الى ان قال: واذا عمل
احدكم عملا توعد اللّه بالنار فليمحه بالتوحيد فان التوحيد
ياخذ بناصيه صاحبه، لا بد من ذلك((36)).
وهذا ماخوذ من حديث اخرجه الترمذى وصححه ورواه
بالاسناد الى انس، قال: سمعت رسول اللّه(ص) يقول: قال اللّه
تعالى: يابن آدم، انك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك، على ما
كان منك ولا ابالى، يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم
استغفرتنى غفرت لك، يابن آدم انك لو اتيتنى بقراب الارض
خطايا، ثم لقيتنى لا تشرك بى شيئا، لاتيتك بقرابها مغفره.
وهذا الحديث ذكره الفاضل النووى فى اربعينه((37)).
وقال الفاضل السيد رشيد رضا فى صفحه 44 من المجلد
السابع عشر من مناره: ان من اعظم ما بليت به الفرق
الاسلاميه رمى بعضهم بعضا بالفسق والكفر، مع ان قصد كل
الوصول الى الحق، بما بذلوا جهدهم لتاييده واعتقاده والدعوه
اليه، فالمجتهد وان اخطا معذور وقد اطال الكلام فى هذا
الموضوع حتى بلغ الصفحه 50 من ذلك المجلد
فراجعه((38)).
وقال المعاصر النبهانى البيروتى فى اوائل كتابه شواهد الحق:
اعلم انى لا اعتقد ولا اقول بتكفير احد من اهل القبله، لا
الوهابيه ولا غيرهم، وكلهم مسلمون، تجمعهم مع سائر
المسلمين كلمه التوحيد والايمان بسيدنا محمد(ص) وما جاء
به من دين الاسلام الى آخر كلامه.
وعقد العارف الشعرانى، فى الجزء الثانى من (اليواقيت
والجواهر)، مبحثا مسببا لثبوت الايمان لكل موحد يصلى الى
القبله، وهو المبحث 58 قال فى آخره: فقد علمت يا اخى مما
قررناه لك فى هذا المبحث ان جميع العلماء المتدينين امسكوا
عن القول بالتكفير لاحد من اهل القبله((39)).
ونقل جماعه كثيرون منهم الشعرانى فى المبحث المتقدم
ذكره عن ابى المحاسن الرويانى وغيره من علماء بغداد قاطبه
انهم كانوا يقولون: لا يكفر احد من المذاهب الاسلاميه، لان
رسول اللّه(ص) قال: من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، واكل
ذبيحتنا فله ما لنا وعليه ما علينا. اه.
قال ابن تيميه، فى اوائل رساله الاستغاثه، وهى الرساله 13 من
مجموعه الرسائل الكبرى ج1 ص 470 ما هذا لفظه: ثم اتفق
اهل السنه والجماعه على انه(ص) يشفع فى اهل الكبائر، وانه لا
يخلد فى النار من اهل التوحيد احد. اه.
وكان احمد بن زاهر السرخسى، وهو اجل اصحاب الامام ابى
الحسن الاشعرى، يقول -فيما نقله الشعرانى عنه فى اواخر
المبحث 58 من يواقيته-: لما حضرت الشيخ ابا الحسن
الاشعرى الوفاه بدارى فى بغداد، امرنى بجمع اصحابه
فجمعتهم له، فقال: اشهدوا على اننى لا اكفر احدا من اهل
القبله بذنب، لانى رايتهم كلهم يشيرون الى معبود واحد،
والاسلام يشملهم ويعمهم.
وقال شيخ الاسلام المخزومى -فيما نقله الشعرانى عنه فى
رسالته من يواقيته-: قد نص الامام الشافعى على عدم تكفير
اهل الاهواء فى رسالته فقال: لا اكفر اهل الاهواء بذنب. واجمع
الشافعيه على عدم تكفير الخوارج.
وقال العلامه ابن عابدين فى باب المرتد من حاشيته الشهيره
الموسومه برد المحتار، ما هذا لفظه: وذكر فى فتح القدير، ان
الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين واموالهم، ويكفرون
الصحابه، حكمهم عند جمهور الفقهاء واهل الحديث حكم
البغاه، قال: وهذا يقتضى اجماع الفقهاء على عدم تكفير
الخوارج) اه.
وقد الف العلامه الكبير الملا على القارى الحنفى رساله فى الرد
على من يكفر المتاولين بذلك كما نص عليه ابن عابدين.وقال
ابن حزم فى صفحه 257 من اواخر الجزء الثالث من فصله ما
هذا لفظه: (واما من سب احدا من الصحابه رضى اللّه عنهم، فان
كان جاهلا فهو معذور، وان قامت عليه الحجه فتمادى غير
معاند فهو فاسق كمن زنى او سرق، وان عاند اللّه تعالى فى
ذلك ورسوله(ص) فهو كافر قال وقد قال عمر رضى اللّه عنه
بحضره النبى(ص) عن حاطب، وحاطب مهاجرى بدرى،
دعنى اضرب عنق هذا المنافق، فما كان عمر بتكفيره حاطبا
كافرا، بل كان مخطئا متاولا) اه.
وفى الباب الاول من القسم الرابع من كتاب الشفاء نقلا عن
القاضى اسماعيل وغير واحد من الائمه، ان رجلا سب ابا بكر
بمحضر منه رضى اللّه عنه فقال له ابو برزه الاسلمى، يا خليفه
رسول اللّه، دعنى اضرب عنقه، فقال اجلس، ليس ذلك لاحد
الا لرسول اللّه(ص).
وفى ذلك الباب من الشفاء ايضا، ان عامل عمر بن عبد العزيز
بالكوفه، استشاره فى قتل رجل سب عمر رضى اللّه عنه، فكتب
اليه: لا يحل قتل امرىء مسلم بسب احد من الناس، الا رجل
سب رسول اللّه(ص) فمن سبه فقد حل دمه. اه. (واذا اردت
المزيد فطالع (الفصول المهمه فى تاليف الامه))((40)).
مما سبق يتبين لك ان تكفير المسلمين الموحدين خطر شنيع
وبهتان عظيم. وقد وقع هذا التكفير بدافع الحقد الدفين او
الحسد المشين والتكالب على مناصب الدنيا وحطامها والتقليد
الطائش.
وقد ابنا فى هذا البحث المجمل بعض ما يتعلق بالشيعه
واصولها ولهم بعد ذلك مذهبهم الخاص فى الفروع الفقهيه،
ولا يزال عندهم باب الاجتهاد مفتوحا. والذى نرجوه بعد هذا ان
يعتبر المسلمون بما سببته اختلافاتهم من الحوادث وان يعملوا
على جمع كلمتهم وتوحيد نهضتهم، وان يتبادلون بينهم
العلوم ووسائل التجاره والصناعه حتى يرجع اليهم عزهم الاول،
ويفوزوا بنصرهم القريب، وما ذلك على اللّه بعزيز.